في زوايا الجنوب المغربي، حيث يمتزج عبق الأرض ورائحة التاريخ، يُحيي سكان سوس بمنطقة أكلو غرب مدينة تزنيت جنوبا موسمًا فنيًا وروحيًا يعد بمثابة احتفال بالإنسانية والتكافل الاجتماعي. موسم فقراء إداولتيت ليس مجرد مناسبة تقليدية بل هو حدث يربط بين الماضي والحاضر، ويجسد أسمى معاني التضامن في قلب المجتمع المحلي.
في بداية الموسم، تتناثر الوجوه المضيئة تحت سماء منطقة إداولتيت، التي تتسم بهدوئها وسكونها، حيث يتوافد الأهالي والزوار من مختلف أنحاء المنطقة للاحتفال بطقوس دينية وروحية تعكس محبة الخير والمساواة. مع بداية الطقوس، يتجمع الجميع لأداء الصلاة والدعاء، ملتفين حول بعضهم البعض، في وحدة لا تشوبها شائبة، لتجسيد روح التضامن مع الفقراء والمحتاجين. ليس هناك ما هو أغلى من النفس التي ترفرف بتلك الدعوات الطاهرة، والتي تخرج من قلب المجتمع بكل صفاء.
إداولتيت، تلك المنطقة التي تشهد هذا الموسم كل عام، ليست مجرد مكان جغرافي بل هي صورة حية عن قريتين متلاصقتين: واحدة في الماضي، وأخرى في الحاضر، حيث يعيش الفقراء والمحتاجون جنبًا إلى جنب مع الأغنياء. في هذا الموسم، لا يُعرف الفقير من الغني، بل يتم تقدير الجميع على قدم المساواة. يتقاسم الناس ثرواتهم القليلة، فالنذور والعطايا تتدفق بغزارة، والمساعدات المادية والعينية تُوزع بلا تمييز، ليشعر الجميع بأنهم أسرة واحدة. هذه الطقوس الرمزية، التي تتمثل في توزيع الطعام والملابس، تُعتبر تعبيرًا حيًا عن الوحدة الاجتماعية التي لطالما تميز بها المجتمع الأمازيغي.
لكن موسم فقراء إداولتيت ليس فقط مناسبة للخير الاجتماعي، بل هو كذلك فرصة للروحانية والنقاء الداخلي. حينما تضاء مصابيح الصلاة وتتسلل الأناشيد الدينية في أرجاء المكان، يُحس الجميع بسلام داخلي يسكنه، ويغمرهم شعور عميق بالتقرب إلى الله. هذا الجو الروحي لا يعكس فقط الطابع الديني في الاحتفال، بل يعزز من قيم الأمل والصبر في القلوب، ويذكر الحضور بأن هذه اللحظات هي فرصة لتجديد النية واستعادة القوة الروحية لمواجهة صعوبات الحياة.
ووسط هذا الجو الروحي، لا تغيب الأنشطة الثقافية والفنية التي تجعل من موسم فقراء إداولتيت حدثًا غنيًا بالألوان والمشاعر. العروض المسرحية التي تجسد تاريخ المنطقة، والرقصات التقليدية التي تحكي عن عمق الذاكرة الثقافية، تُضفي رونقًا خاصًا على الاحتفال. الحرف اليدوية المعروضة في المعارض المحلية تعكس إبداعًا متجذرًا في أصالة التقليد الشعبي، فتُصبح الاحتفالات بمثابة لوحة فنية حية تحمل في طياتها رسائل عن الحياة والذاكرة.
ومع كل عام، يستمر موسم فقراء إداولتيت في التأكيد على أن التضامن ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو سلوك وأفعال تُترجم في الواقع. يصبح الموسم أكثر من مجرد مناسبة، إذ يُظهر في كل تفصيل فيه أن القيم الإنسانية والروحية يمكن أن تخلق مجتمعًا متحدًا. كما أن الاهتمام بإحياء هذه التقاليد يساعد في الحفاظ على التراث المغربي، ويُعزز من هوية المجتمع المحلي الذي يرى في هذه المناسبات فرصة للتقارب والتعاون، ويظل يتنفسها في كل لحظة.