الولاء للقضايا الخارجية بين قداسة الوطن واستغلال الحزبيين: حين يتحوّل الإجماع إلى ورقة سياسية.
شهدت الساحة المغربية في السنوات الأخيرة تحولات مثيرة للجدل في ما يتعلق بكيفية التعامل مع القضايا الخارجية، وعلى رأسها قضية فلسطين أو النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. فبينما كان يُفترض أن تبقى هذه القضايا محل إجماع وطني، بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة، باتت اليوم تُستغل من طرف بعض التيارات الحزبية كوسيلة للاستقطاب والتجييش والانقسام، مما يُفرغها من بعدها الرمزي والسيادي.لقد بات من المألوف أن نشهد شعارات من قبيل “تازة قبل غزة” تُرفع في سياقات توحي بالتنابز والصراع الحزبي أكثر مما تعبر عن رؤية وطنية متوازنة. هذه الشعارات – التي قد تحمل في طياتها قلقاً مشروعاً حول أولويات الداخل – تحولت إلى أدوات لتبرير الانقسام وتحريض الرأي العام ضد فئات أخرى تتبنى مواقف تضامنية مع قضايا أممية. النموذج الأوضح يتجلى في ما رافق كلمة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والتي خلّفت انقساماً حاداً في صفوف النشطاء والمتابعين، بين من رأى فيها تجسيداً للولاء للقضية الفلسطينية، ومن اعتبرها توظيفاً سياسياً لقضية يفترض أن تظل خارج التوظيف الحزبي.لكن الأخطر هو أن بعض الأحزاب لم تجد اليوم سوى القضايا الخارجية كورقة وحيدة في يدها، بعد أن تآكل رصيدها داخلياً. واللافت أن هذا التوجه يتعارض صراحة مع روح الدستور المغربي، الذي نصّ بوضوح على أن السياسة الخارجية من اختصاص الملك بصفته رئيس الدولة، وتنفذها وزارة الخارجية باعتبارها وزارة سيادية لا تخضع لمنطق الصراعات السياسية اليومية.هنا تتجلّى بُعد نظرة الملك محمد السادس، الذي حرص منذ توليه الحكم على أن تبقى السياسة الخارجية للمغرب في منأى عن التوظيف الحزبي أو التبدلات الظرفية، بما يضمن ثبات المواقف وقوتها على الساحة الدولية. إن جعل وزارة الخارجية وزارة سيادية لم يكن قراراً تقنياً فحسب، بل خياراً استراتيجياً يُحصّن صورة المغرب ومصالحه من الانزلاق نحو فوضى المزايدات والتناقضات.إن أكبر التحديات التي تواجه المغاربة اليوم ليست فقط اقتصادية أو اجتماعية، بل هي أيضاً تحديات تتعلق بالحفاظ على الإجماع الوطني والابتعاد عن الاستغلال السياسوي للقضايا الكبرى، خاصة حين يتعلق الأمر بالولاء للوطن ومصالحه العليا. فقداسة القضايا الانسانية والخارجية تكمن في قدرتها على توحيد الصف .