اخبار سريعة

سلايدشومغاربة العالم

محمد خير الدين،يبعث من جديد بجوار ملوك فرنسا

محمد خير الدين يبعث من جديد في سان دوني قرب أضرحة ملوك فرنسا…

لى مدى ثلاثة أيام، من 2 إلى 4 مايو 2025، استعادت مدينة سان دوني، الواقعة في الضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس، دورها التاريخي كمركز للتعدد الثقافي، وذلك من خلال تنظيم معرض الكتاب الأمازيغيألفرنكوفوني. وقد تميزت هذه الدورة، التي نظمتها الشبكة الثقافية الفرنسيةألأمازيغية، بتكريم لافت، عميق، محمل بالرمزية، لأحد أبرز أعلام الأدب المغربي المعاصر: محمد خير الدين.في زمن تختزل فيه أسماء الكبارفي تماثيل أو مدائح جوفاء، تجرأ هذا المعرض على إعادة بعث خير الدين عبر كلماته الثائرة، وأفكاره الحارقة، ولغته المتمردة التي ما زالت تقلق السائد وتحفز الوعي النقدي.ولد محمد خير الدين سنة 1941 في دوار أزرو واضو، بقبيلة أملن تافراوت، جنوب المغرب. كان لزلزال أكادير سنة 1960 وقع عميق في تشكيل رؤيته، فكان شرارة أولى لمشروع أدبي تمردي. بعد سنوات من العمل في الوظيفة العمومية، اختار المنفى الطوعي بباريس سنة 1965، حيث اشتغل في مهن متواضعة، دون أن ينقطع عن الكتابة. توفي بالرباط سنة 1995، في يوم عيد استقلال المغرب، وكأن رحيله أغلق دائرة مليئة بالصراع والبحث عن المعنى.أعماله ليست مجرد سرديات أدبية، بل صدمات لغوية ومواقف وجودية. ففي رواياته مثل أكادير (1967)، أنا المر (1970)، نباش القبور (1973)، هذا المغرب (1975)، انبثاق الأزهار المتوحشة (1981)، أسطورة وحياة أغونشيش (1984)، وكان يا مكان زوجان سعيدان (1993)، تتجلى لغة مفخخة، متكسرة عن قصد، تطرح أسئلتها بحدة حول الاستعمار، والدين، والتقاليد، والهوية، والذات الممزقة.في سان دوني، أعيد استحضار هذا الصوت العنيد من خلال ندوة أدبية أدارها الأستاذ الجامعي عبد الله بايضة من جامعة محمد الخامس بالرباط، أحد أبرز المتخصصين في أعمال خير الدين، إلى جانب الكاتب وعميد كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية بأيت ملول، عبد الخالق جايد. وقد قدم الاثنان قراءة عميقة لأبعاد خير الدين الأدبية والسياسية، كما تحدثا عن العلاقة بين جغرافيا تافراوت الصلبة، بصخورها وأشواكها، والتخييل الأدبي الجامح الذي وسم كتاباته.وفي جلسة ثانية، كانت مدينة تيزنيت حاضرة بوصفها عاصمة ثقافية ومصدر إلهام للكاتب. تحدث البرلماني ورئيس بلديتها عبد الله غازي، بمعية الأستاذ أنير بويعقوبي، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر، عن الرهانات الثقافية للمنطقة ودور المجالس المنتخبة في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مؤكدين على النموذج الثقافي المتميز لتيزنيت، الذي يسير بخطى ثابتة نحو ترسيخ موقعها في خريطة المغرب الأمازيغي. كما أشار المتدخلان إلى أن القرى المحيطة بتيزنيت ساهمت في تشكيل طابعها الثقافي كعاصمة للصياغة والحلي الأمازيغية.وقد شهد المعرض مشاركة 57 كاتبا فرنسيـأمازيغيا، وبلغ ذروته الرمزية خلال الاستقبال الرسمي الذي خص به عمدة سان دوني الوفد المغربي، بحضور رئيس بلدية تيزنيت ورئيسة الجمعية المنظمة في سان دوني. وقد أقيم اللقاء قرب بازيليك سان دوني، في مشهد حمل المناسبة بعدا تاريخيا وإنسانيا عميقا. كما أُشيد بالدور الحيوي لشباب وشابات الشبكة الثقافية الفرنسيةألأمازيغية، تحت إشراف المناضل والفاعل الثقافي مصطفى سعدي، الذين ساهموا بجهدهم في إنجاح هذا الحدث.وقد أعيد في هذا السياق طرح موضوع اتفاق التوأمة بين سان دوني وتيزنيت، الذي عرف أوج نشاطه خلال فترات التعاون الثقافي في عهد النائب والرئيس السابق الأستاذ عبد اللطيف أوعمو، قبل أن يدخل في سبات غامض خلال فترة تسيير حزب العدالة والتنمية، دون تفسير رسمي. ومع ذلك، عبر الحاضرون عن أملهم في أن تستعيد العلاقة بين المدينتين حيويتها، عبر مشاريع مشتركة تسهم في التنمية الثقافية والإنسانية لصالح ابناء المدينتين.ومن أبرز لحظات الاستقبال، الهدية الرمزية التي قدمها رئيس بلدية تيزنيت إلى نظيره الفرنسي: كوفري أنيق يضم مختارات من أعمال خير الدين، أنجزه مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مرفوقا بـتازرزيت فضية، رمز مدينة تيزنيت وعلامتها التاريخية في مجال الحلي الأمازيغية.أما في قاعة وسام الشرف، فقد صدحت نصوص خير الدين من جديد، بصوت قراء أعادوا إحياء كلماته في أذهان الجيل الجديد. نصوص لم تهادن أحدا: لا السلطة، ولا الأعراف، ولا حتى الكاتب نفسه. نصوص مشاغبة، مرة، ولكنها ضرورية.محمد خير الدين لم يكن مجرد كاتب. لقد كان زلزالا أدبيا. وفي زمن يخنق فيه الركود والتسطيح الفكر الحر، تبقى كلماته خريطة خلاص، وصوتا لا يمكن تجاهله.

رشيد بوقسيم

اعلامي/ مدير مهرجان اسني وورغ الدولي للفيلم الامازيغي.

What's your reaction?

Related Posts

29 / 1

Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *