المسرح المغربي بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل
المسرح المغربي، ومنذ بواكيره الأولى، ظلّ يمثّل أحد أبرز التعبيرات الفنية التي سعت إلى محاورة المجتمع، استنطاقًا لأسئلته وتناقضاته، لكنّه لم يتحوّل، رغم ذلك، إلى مؤسسة قائمة بذاتها، ذات حضور فعلي دائم ومؤثّر. يمكن القول، استنادًا إلى الفارق بين الوجود بالقوة والوجود بالفعل، إن المسرح المغربي ظلّ موجودًا بالقوة، أي كممكن نظري، أكثر من كونه ممارسة مؤسساتية وفنية مستدامة.
فالوجود بالقوة يُحيل على الإمكان، على ذلك الرصيد الهائل من الطاقات والمواهب والمبادرات الفردية والجماعية، والاهتمام الشعبي أحيانًا، والتاريخ النضالي لفنانين جعلوا من الخشبة منبرًا للتفكير والاحتجاج، لكن هذا الوجود ظلّ محصورًا في خانة الممكن، غير القادر على التحول إلى واقع فعليّ منظم ودائم. إنه موجود في النصوص، في الرغبات، في الذكريات، في الطموحات، لا في السياسات الثقافية أو البنيات التحتية أو في الوعي المجتمعي العام بأهمية المسرح.
أما الوجود بالفعل، فهو ما ينقص المسرح المغربي: غياب دور العرض المتخصصة في أغلب المدن، انعدام بنية توزيع مسرحي محترفة، غياب الجمهور المُكوّن بفعل التربية المسرحية، هشاشة الوضع المادي للممارسين، وتقلب الدعم الثقافي وفق المزاج الإداري لا وفق رؤية استراتيجية. وهنا تبرز المفارقة: مسرح يُنتج عروضًا جيدة، يراكم تجارب لافتة، يفرز أصواتًا جريئة ومبدعة، لكنه لا يستطيع ضمان الاستمرارية والاستقرار، ولا يُؤسّس لصناعة مسرحية لها قواعدها ومؤسساتها وآلياتها.
الوجود بالقوة يتجلى في أن المغرب بلد له طاقات مسرحية وإمكانات بشرية وثقافية ضخمة، وأنه أنجب تجارب بارزة كفرقة ناس الحال، مسرح اليوم، الطيب الصديقي، عبد الكريم برشيد، وحيل من المسرحيين الجدد كحسن هموش ومسعود بوحسين وامين ناسور ومحمد الحر وعبد المجيد شكير عبد الجبار خمران ومحمود الشاهدي وعبد المجيد الهواس وامين غوادة وغيرهم كثير . أما الوجود بالفعل فيفترض وجود سياسات تعليمية وثقافية واضحة، مسارح حقيقية تُدار باحتراف، مهرجانات ذات جدوى معرفية وجمالية، وجمهور متفاعل واعٍ بأهمية المسرح.
الانتقال من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل لن يتمّ ببيانات الاحتفاء أو تقارير الدعم الموسمي، بل بإعادة طرح السؤال الجوهري: ماذا نريد من المسرح؟ هل نريده وسيلة تربوية؟ أم ساحة فكرية؟ أم منتجًا ثقافيًا؟ أم مجرّد ديكور لإظهار “الاهتمام بالثقافة”؟ بدون جواب صريح وممارسات شجاعة، سيظل المسرح المغربي يشبه طيفًا لشيء كان يمكن أن يكون.