ترامب وفن التلاعب الاستراتيجي: كيف يحول المستحيل إلى ممكن؟
النظريات الثلاث للتلاعب الاستراتيجي كما يطبقها ترامب ضد كندا وبانما وغزة..
نظرية الدخان و المرايا
Smoke and Mirrors
نظرية اغراق الساحة Flood the Zone
نظرية السردية بالقوة Manufacturing Consent.
هل يملك دونالد ترامب القدرة على تهجير الفلسطينيين من غزة و ضم غرينلاند وكندا و قناة بنما؟ الإجابة بكل تأكيد هي لا. لكن، هل يعني ذلك أن مجرد الحديث عن هذه الأفكار لا تأثير له؟ الإجابة أيضاً لا.
إن ما يفعله ترامب، وكذلك حليفه نتنياهو، ليس مجرد كلام عابر أو هراء سياسياً، بل هو تلاعب استراتيجي مُحكم ومدروس، يعتمد على خلق واقع وهمي يجعل الأفكار المستحيلة قابلة للنقاش، والمشاريع غير القابلة للتنفيذ تبدو وكأنها سيناريوهات محتملة.
هذا ليس مجرد ارتجال سياسي، بل هو أسلوب مُحكم مستوحى من نظريات سياسية وإعلامية عميقة، تهدف إلى إعادة تشكيل الوعي العام وتوجيه الخصوم إلى مواقع دفاعية بدلاً من الهجوم.
دعونا نحلل هذا الخطاب ونكشف عن آلياته:
أولاً: نظرية الدخان والمرايا: تحويل الوهم إلى حقيقة إعلامية فنٌّ قديم، يعتمد على إيهام الناس بواقع مزيف، وصرف أنظارهم عن الحقائق. إنه أشبه بحيل السحرة، يستخدمون الدخان والمرايا لخلق رؤى خادعة.
في عالم السياسة، يتجلى هذا التلاعب في صورة بروباغندا، وتلاعب إعلامي، ونشر إشاعات، أو إثارة قضايا فرعية للتغطية على أحداث جلل. الهدف؟ إخفاء الحقائق وتوجيه الرأي العام.
هذا الأسلوب، المعروف بـ “الدخان والمرايا”، يسعى إلى تحويل الوهم إلى حقيقة، وتضليل الجماهير لتحقيق أهداف خفية.
أمثلة تاريخية:
• عملية “نورثوودز”: خطة مقترحة من وزارة الدفاع الأمريكية في الستينيات لافتعال هجمات زائفة لتبرير غزو كوبا.
• حرب العراق 2003: ترويج مزاعم أسلحة الدمار الشامل كذريعة للتدخل العسكري واحتلال العراق.
• استخدام الإعلام في الأنظمة الاستبدادية: التلاعب بالرأي العام عبر القنوات الرسمية للتغطية على الفساد أو القمع من خلال شيطنة الاطراف المعارضة الاخرى و تشويه سمعتها.
تقوم هذه الاستراتيجية على إحداث ضجة إعلامية هائلة حول موضوع غير حقيقي، وذلك بهدف تشتيت الانتباه أو تحقيق أهداف خفية.
كيف يتم تطبيق ذلك هنا؟
* الحديث المتكرر عن تهجير الفلسطينيين: على الرغم من استحالة تنفيذ هذا الأمر، إلا أن تكراره يجعله أمراً مطروحاً للنقاش بدلاً من رفضه بشكل قاطع.
* تحويل الفشل العسكري في غزة إلى نقاش حول “أين سيذهب الفلسطينيون؟”: وكأن رحيلهم أمر حتمي، والخلاف فقط على الوجهة!
* تصوير الدول المستهدفة (مصر، الأردن، دول الخليج) وكأنها في موقف تفاوض على صفقة ما: بدلاً من التأكيد على رفضها للفكرة من الأساس.
النتيجة؟
* يبدأ الجمهور في التعامل مع التهجير كفكرة “محتملة”، بينما هي في الواقع جريمة حرب مستحيلة.
* تُجبر الأطراف العربية والدولية على إصدار بيانات نفي وتوضيح، مما يضعها في موقف دفاعي ويمنح القصة مصداقية زائفة.
* يتحول النقاش من “هل يجب وقف العدوان الإسرائيلي؟” إلى “ما هي البدائل المتاحة للفلسطينيين؟”، وهذا هو الهدف الحقيقي من هذا التضليل.
لكن، هل تتوقف الأمور عند هذا الحد؟
بالطبع لا، فهذا مجرد جزء من استراتيجية أوسع وأكثر تعقيداً، تعتمد على التلاعب بالعقول وتزييف الحقائق.
في المقالات القادمة، سنتناول المزيد من هذه الاستراتيجيات، ونكشف عن خبايا هذا التلاعب الممنهج.
عبد الكريم غيلان
كاتب رأي